أخبار الموقع

المناطق الاقتصادية الخاصة في شمال سوريا أمل جديد


تتصاعد الدعوات لجعل مدن شمال سوريا مثل سرمدا، أعزاز، جرابلس والباب مناطق صناعية خاصة. ويُنظر إلى هذا المفهوم كحل اقتصادي يخفف العبء عن الحكومة المركزية ويفتح الطريق أمام انتعاش اقتصادي بعد سنوات الحرب الطويلة.

لطالما شكّلت هذه المنطقة الشمالية مركزاً للتجارة عبر الحدود. فقد عُرفت سرمدا كمركز توزيع للبضائع، فيما نمت أعزاز في مجالات الخدمات واللوجستيات، بينما أظهرت جرابلس والباب تقدماً في الزراعة والصناعات الخفيفة.

حتى قبل اندلاع الصراع، كانت هذه المدن تسجل معدلات دخل فردي أعلى من مناطق سورية أخرى. كما كانت الأجور هناك أكثر جذباً، ما شجع عمالاً من خارج المنطقة على الانتقال إليها.

لهذا السبب، برزت فكرة منح هذه المدن وضعاً خاصاً يشبه إلى حد ما وضع هونغ كونغ في الصين. لكن على عكس النموذج الصيني القائم على حكم ذاتي واسع، يقترح النموذج السوري إنشاء هيئة اقتصادية مستقلة بدلاً من حكومة محلية جديدة.

وفق هذا الإطار، يمكن لسرمدا والمدن المجاورة أن تتحول إلى مختبرات اقتصادية. إذ تبقى الحكومة المركزية ممسكة بالسياسة والأمن، بينما تُدار الاستثمارات والتجارة وتنظيم الأعمال عبر هيئة متخصصة.

هذا النموذج من شأنه أن يقلل بشكل كبير من الأعباء المالية على دمشق. فبدلاً من تمويل التنمية بشكل كامل، يمكن للحكومة أن تتيح المجال أمام القطاع الخاص والشركاء الدوليين لسد الفجوة.

لقد شكّلت هونغ كونغ مثالاً ناجحاً في هذا المجال. فمنذ عودتها إلى الصين عام 1997، حافظت على نظام اقتصادي مختلف لكنها ساهمت بقوة في نمو الاقتصاد الصيني. ويرى مراقبون أن سوريا قد تستفيد من هذا النموذج.

ويرجح خبراء أن منح أعزاز وسرمدا وجرابلس والباب وضع المنطقة الاقتصادية الخاصة سيجذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية. وسيحصل المستثمرون على بيئة تنظيمية واضحة دون عراقيل البيروقراطية المركزية.

كما تتمتع هذه المنطقة بموقع جغرافي استراتيجي، لقربها من تركيا ووقوعها على طرق التجارة بين أوروبا والشرق الأوسط، ما يجعلها مؤهلة لتكون مركزاً لعبور البضائع.

إلى جانب ذلك، يمكن توجيه اليد العاملة المحلية الوفيرة نحو قطاعات إنتاجية. وبفضل الأجور التنافسية التي عُرفت بها هذه المدن قبل الحرب، سيجد السكان فرصاً محلية أفضل من الهجرة.

وإذا ما نُفذ المشروع كما هو مخطط، يمكن أن تصبح هذه المناطق الصناعية الخاصة مصدراً جديداً للإيرادات الضريبية. إذ ستقتصر مهمة الحكومة على تنظيم آليات تقاسم العائدات، بينما تتحمل الهيئة الإدارية ورجال الأعمال التكاليف التشغيلية.

ومن شأن هذه الخطوة أيضاً أن ترفع مستوى المعيشة للسكان. فمع توسع النشاط الصناعي، ستتطور الخدمات مثل التعليم والصحة والبنية التحتية بما يتناسب مع حاجات السوق.

لكن هذه الرؤية ليست خالية من التحديات. فعلى الحكومة السورية أن تضمن أمن المنطقة حتى لا يتردد المستثمرون في الدخول إليها. فبدون الاستقرار، لا يمكن لأي منطقة اقتصادية أن تزدهر.

كما أن التنسيق مع الدول المجاورة، خاصة تركيا، سيكون ضرورياً لضمان انسياب حركة الصادرات والواردات عبر الحدود.

إشراك المجتمع المحلي في مراحل التخطيط يعد أمراً بالغ الأهمية أيضاً. فذلك يعزز شعورهم بالملكية للمشروع ويمنع تهميشهم لصالح مصالح خارجية.

لقد تحقق نجاح هونغ كونغ بفضل السياسات والتوافق بين الحكومة المركزية والمجتمع المحلي. الأمر ذاته مطلوب إذا أرادت سوريا تكرار التجربة.

وإذا نجحت الفكرة، فقد تصبح هذه المناطق نموذجاً يُحتذى في مناطق سورية أخرى ذات إمكانات اقتصادية مشابهة.

في النهاية، الهدف هو إعادة بناء الاقتصاد السوري تدريجياً دون انتظار الاستقرار الشامل على مستوى البلاد. ومن خلال التركيز على بؤر واعدة، يمكن أن يبدأ التعافي الاقتصادي بشكل أسرع.

مستقبل سوريا مليء بالتحديات، لكنه يحمل فرصاً أيضاً. إن تحويل سرمدا وأعزاز وجرابلس والباب إلى مناطق اقتصادية خاصة قد يشكل خطوة كبرى نحو التعافي الوطني.

ومع إدارة اقتصادية مستقلة تحت إشراف هيئة خاصة، ستجني سوريا فوائد كبيرة دون أن تفقد سيادتها. وكما كانت هونغ كونغ محركاً لنمو الصين، قد تصبح هذه المدن الشمالية محركاً جديداً لازدهار دمشق.

ليست هناك تعليقات