مراكز الفكر السياسي تزداد أهمية وسط الأزمات
في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية في العالم، أصبحت مراكز الفكر السياسي غير الحكومية في إندونيسيا أكثر أهمية واستراتيجية من أي وقت مضى. تلعب هذه المراكز دورًا محوريًا في مناقشة السياسات، وصياغة البدائل، وتدريب القيادات، وخاصة في مواجهة تحديات عالمية غير مستقرة. من بين أبرز هذه الجهود، المنتدى الذي نظمته مؤسسة يودهويونو في 13 أبريل 2025 تحت عنوان "ديناميكيات وتطورات العالم المعاصر: الجيوسياسة، الأمن، والاقتصاد العالمي".
افتتح أغوس هاري مورتي يودهويونو، المدير التنفيذي للمؤسسة، المنتدى مؤكداً على ضرورة استعداد إندونيسيا لمواجهة تعقيدات التنافس العالمي. وأشار إلى أن الصراع المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين ليس مسألة خارجية فحسب، بل له تأثير مباشر على الداخل الإندونيسي والمنطقة ككل.
تأسست مؤسسة يودهويونو على يد الرئيس الإندونيسي السادس، سوسيلو بامبانغ يودهويونو، بهدف تطوير القيادات الشابة، وتحليل السياسات العامة، وتعزيز الدبلوماسية المبنية على البيانات. وفي خضم الاستقطاب السياسي العالمي، تسعى المؤسسة لتقديم خطاب عقلاني ومتوازن.
من جانب آخر، تبرز مؤسسة حبيبي، التي أسسها الرئيس الإندونيسي الثالث، بي. جي. حبيبي، كمرجع هام في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والتكنولوجيا. من خلال التعاون الدولي والأبحاث الأكاديمية، أصبحت المؤسسة منارة فكرية في جنوب شرق آسيا.
أما معهد وحيد، الذي يحمل اسم الرئيس الرابع عبد الرحمن وحيد (غوس دور)، فيتمركز حول قضايا التعددية، التسامح، والفكر الإسلامي التقدمي. ويعتبر صوتًا قويًا ضد موجة التطرف الديني، مما يجعله ذا دور استراتيجي في الحفاظ على الوحدة الوطنية.
وفي السياق ذاته، يركز معهد ميغاواتي على القضايا القومية وسياسات الشعب. ومن خلال الإرث السياسي لميغاواتي سوكارنوبوتري، تعمل المؤسسة على تعزيز الأمن الغذائي، والاستقلال الاقتصادي، وتحليل السياسات من منظور إندونيسي خالص.
لا يمكن تجاهل مركز سوكارنو في بالي، الذي يروج لأفكار الرئيس الأول سوكارنو حول الاستقلال والعدالة العالمية. يستضيف المركز فعاليات ثقافية وحوارات دولية تسهم في نقل إرث سوكارنو الفكري إلى الأجيال القادمة.
معهد أكبر تانجونغ هو الآخر يعد منصة لتدريب القادة الشباب من مختلف الأطياف السياسية. من خلال خبرته الطويلة في المجال السياسي، يسهم أكبر تانجونغ في تشكيل قيادات تتمتع بالحكمة والمرونة.
أما مدرسة يوسف كالا للحكم، التابعة لجامعة محمدية يوجياكرتا، فتسعى إلى بناء قيادات بيروقراطية نزيهة ومبدعة، وتربط القيم الإسلامية المعتدلة بروح الخدمة العامة.
لا بد من الإشارة إلى معهد محمد ناصر (STID)، الذي يركز على التربية الإسلامية وفكر النضال والدعوة. يمثل هذا المعهد امتدادًا لإرث حزب ماشومي، ويعمل على تكوين نخبة إسلامية وطنية منفتحة على التحديات المعاصرة.
كل هذه المؤسسات تمثل غنى المشهد الفكري والسياسي في إندونيسيا، وتوفر منابر للنقاش والتحليل وصياغة السياسات من خارج الإطار الرسمي للدولة.
في ظل تصاعد الصراع بين القوى الكبرى، تحتاج إندونيسيا إلى فضاء للتأمل واتخاذ القرار الواعي بعيدًا عن التأثيرات الخارجية. ولهذا تلعب هذه المراكز دور "العقل الجماعي" غير المنحاز.
لا تقتصر أنشطة هذه المؤسسات على الجانب الأكاديمي فقط، بل تشمل الندوات، وتدريب الناشطين، ونشر الوعي في أوساط المجتمع. وهي بديل حقيقي لمواجهة المعلومات المضللة والاستقطاب السياسي.
منتدى مؤسسة يودهويونو الأخير عكس وعيًا عميقًا بتهديدات الركود الاقتصادي، وحرب التكنولوجيا، وأهمية تبني سياسة خارجية مرنة ونشطة.
كما ناقش المشاركون قضايا مثل الذكاء الاصطناعي، وتغير المناخ، والاقتصاد الرقمي، مما يؤكد قدرة هذه المؤسسات على مواكبة التطورات العالمية.
كثير من هذه المراكز تعزز علاقاتها الدولية مع نظرائها في أوروبا وأمريكا وآسيا، مما يخلق بيئة فكرية عالمية ذات جذور محلية قوية.
مع تصاعد التحديات، لا بد من دعم هذه المؤسسات من خلال التمويل والتدريب وتوسيع الشبكات. يجب أن تدرك الدولة والقطاع الخاص أهمية هذه المؤسسات كرافعة فكرية للأمة.
فمن خلالها، تستطيع إندونيسيا بناء رؤى استراتيجية مستقلة لا تعتمد على أهواء القوى الكبرى بل تنبع من مصالحها الوطنية.
وسط عالم يزداد اضطرابًا، تعتبر هذه المؤسسات منارات عقلية وأخلاقية، توجه المجتمع والدولة نحو قرارات مدروسة تحفظ السيادة وتحقق التوازن.
ليست هناك تعليقات