ألغاز وقواق: آثار أسطورة عربية غامضة في أرض باتاك؟

ظهرت نظرية مثيرة للجدل تربط قبيلة الباكباك في أرض باتاك بالقصة الغامضة عن قبيلة وقواق المذكورة في أساطير البحارة العرب القدماء. تروي الأسطورة عن شجرة عجيبة، وُصفت بأنها ثمينة لدرجة تفوق الخيال عن "شجرة المال"، بل وذُكرت بشكل مبالغ فيه أنها تُثمر بشرًا.

يبدو أن قصة البشر الذين تربطهم علاقة وثيقة بالأشجار ليست مجرد خيال محض بالنسبة لمجتمع الباكباك. فهم يمتلكون تقاليد ومعتقدات قد تحمل آثارًا لروايات قديمة كهذه. بالإضافة إلى ذلك، تشتهر أرض الباكباك بأشجار اللبان والكافور الثمينة جدًا في العصور الماضية، مما يضيف بعدًا اقتصاديًا لاحتمالية وجود صلة بينهما.

لغويًا، تحمل كلمة "باكباك" في لغة القبيلة نفسها معنى "مرتفع". يشير هذا التفسير إلى احتمال أن تسمية القبيلة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتضاريس الجغرافية التي يسكنونها، أي المرتفعات أو الجبال. وبالتالي، فإن تسمية "شعب الباكباك" قد تشير إلى المجتمع الذي يسكن هذه المناطق المرتفعة.

ومع ذلك، فإن تتبع أصول كلمة "باكباك" لا يتوقف عند التفسير الجغرافي وحده. يقترح تفسير لغوي مثير للاهتمام ربط كلمة "باكباك" بـ "واقواق"، وهو اسم يُزعم أن سكان بلاد أبي نواس (العراق الحديث) في العصور القديمة استخدموه للإشارة إلى المنطقة التي تُعرف الآن بأرض الباكباك.

ومن المثير للاهتمام أن آثار اسم "باكباك" لا تقتصر على سومطرة الشمالية. نجد أيضًا اسم "فاكفاك" في بابوا، وهو اسم مكان يحمل تشابهًا صوتيًا لافتًا. بالإضافة إلى ذلك، في الفلبين، سُجل اسم محارب يُدعى داتو أماي باكباك أو داتو أما ني باكباك الذي قاوم بشراسة الاستعمار الإسباني في أواخر القرن التاسع عشر.
في سجلات التاريخ البحري، وتحديدًا في كتاب المسالك والممالك لابن خرداذبه، ذُكر وصف لاتساع المحيط الهندي. قدّر أن امتداد البحر من القلزم (رأس البحر الأحمر) إلى وقواق يبلغ 4500 فرسخ. علاوة على ذلك، ذكر أن المسافة من القلزم إلى ميناء الفرما في البحر الأبيض المتوسط تبلغ 25 فرسخًا. وبناءً على حسابات درجة الطول، فإن مسافة 4500 فرسخ باتجاه وقواق تعادل 180 درجة، مما يضع وقواق في منتصف العالم إذا قيس من القلزم.
على الرغم من أن وصفها يبدو خياليًا وموقعها البعيد شرقًا يثير الشكوك حول وجودها الجغرافي، إلا أن ابن خرداذبه أصر على أن وقواق كانت مكانًا حقيقيًا. بل وذكرها عدة مرات في كتاباته، واصفًا "شرق الصين بأنه أراضي وقواق، الغنية جدًا بالذهب الذي يستخدمه سكانها لصنع قلائد وسلاسل للكلاب والقرود. كما يصنعون عباءات منسوجة بالذهب، ويوجد هناك خشب الأبنوس عالي الجودة بكثرة." وأضاف أيضًا أن "الذهب والأبنوس يتم تصديرهما من وقواق."

حاول العلماء تحديد الموقع الغامض لوقواق. افترض دي غويه في البداية أن وقواق هي اليابان، على الرغم من عدم وجود دليل تاريخي على هجوم بحري ياباني على شرق إفريقيا في القرن العاشر. ثم اقترح العالم الفرنسي غابرييل فيران فكرة أن وقواق ربما تشير إلى مدغشقر، أو حتى سومطرة. استندت هذه التكهنات إلى سجلات تاريخية حول احتمالية شن هجمات من جزر إندونيسيا على مدغشقر والسواحل الجنوبية لإفريقيا، أو وجود اختلاط لغوي أوسترونيزي في مدغشقر.

ذكر البيروني في كتابه "كتاب الهند" الذي كتب حوالي عام 1000 ميلادي، والذي استند معظمه إلى مصادر مكتوبة باللغة السنسكريتية، بلدًا يسكنه أناس يولدون من الأشجار ويتدلون من أغصانها بسراتهم. من هذا الوصف، نشأ احتمال أن تكون أسطورة شجرة وقواق متجذرة في مصادر سنسكريتية، وأن الحكايات العربية عن وقواق هي تفسيرات غامضة في فترة كانت فيها جزر إندونيسيا لا تزال تحت تأثير الثقافة الهندوسية البوذية.

انتشرت قصة شجرة وقواق لاحقًا إلى الغرب، جنبًا إلى جنب مع دخول حكايات الشرق. ظهرت القصة في إحدى مخطوطات رحلات الراهب أودوريك في القرن الرابع عشر وفي إحدى الروايات الفرنسية عن الإسكندر الأكبر في العصور الوسطى. سُجل آخر أثر لقصة شجرة وقواق في عام 1685، عندما بدأت أسرار المحيط الهندي تتكشف في سجلات الأوروبيين. وُجدت هذه القصة في كتاب "سفينة سليمان"، وهو سجل رحلة فارسي إلى سيام (تايلاند) كتبه مؤلف رافق البعثة. ذكر أنه سمع هذه القصة الغريبة من قبطان هولندي.

روى القبطان الهولندي عن رحلته إلى الصين، حيث رست سفينتهم في خليج جزيرة للنجاة من عاصفة كبيرة. في تلك الجزيرة، وجدوا سكانًا ذوي مظهر غريب، يشبهون الكائنات الحية بالكاد. كانت أرجلهم قصيرة، وأجسادهم عارية، وشعرهم طويل جدًا. وفي الليل، كان الرجال والنساء يتسلقون إلى قمم الأشجار في الغابة، حاملين أطفالهم في أذرعهم. وعند وصولهم إلى الشجرة، كانوا يربطون شعرهم الطويل بأحد الأغصان ويتدلون هناك طوال الليل.

على الرغم من أن العديد من المخطوطات تسجل وجود وقواق، إلا أنه لم يتمكن أحد من تحديد موقعها الجغرافي بدقة. التشابه الصوتي مع "فاكفاك" أثار تكهنات بأن وقواق ربما تشير إلى منطقة فاكفاك في بابوا الغربية. ومع ذلك، بغض النظر عن شكلها وموقعها الحقيقي، من الواضح أن مفهوم وقواق له جذور عميقة في النصوص الهندوسية السنسكريتية، وذُكر في القرن الثامن، ورواه بحار عربي لمبعوث صيني، ونقله إلى راهب فرنسي، ثم رواه قبطان بحري هولندي لمبعوث فارسي إلى ملك سيام. استمرت هذه القصة في التداول، تاركة وراءها آثارًا غامضة قد تكون مرتبطة بعيدًا حتى بأرض الباكباك في سومطرة الشمالية.

أختر نظام التعليقات الذي تحبه